المسار
الأربعاء، 12 يناير 2011
دقت الدلوكه
قلنا الدنيا مازالت بخير
اهو ناس تعرس وتنبسط
تككت سروالى الطويل
سويتلو رقعات فى الوسط
فى خشمى عضيت القميص
اجرى وازبد شوق وانط
لامن وصلت الحفله زاحمت الخلق
وركزت
شان البت سعاد
اصلى عارف جنها
فى زول بيركز وينستر
لكنى عارف انها
لوكل زول فى الحله بالستره انجلد
يانى الازاها وجنها
برضى عارف اظنها
تحت تحت بتحبنى
ديمه فى صرة وشها
يلفحنى شوق نافر لبد
وركزت للحرقه المشت
فوق الضلوع تحت الجلد
ضميت قزازتى مرقت
عن طرف البلد
وسكرت جد
وانا جائى راجع منتهى لاقتنى هى
قالت (تعال
كبرت كراعى من الفرح
نص فى الارض نص فى النعال
اتلخبط الشوق بالزعل
اتحاوروا الخوف والكلام
اه ياسعاد
على ود سكينه وكلتي
فى خشموا الرماد
على ودسكينه ومات اسى
وانا بت بلاك ملعون ابوى
لو كنت ارضى اعرسها
وانا ياسعاد وكتين تصبى
سحابه تنزلى زى دعاش
بفرش على روحى واجيك
زولا هلك تعبان وطاش
وانا ياسعاد وكتين اشوفك ببقى زول
فرشولوا فرش الموت وعاش
قالت سعاد بطل كلام الجرسه
انجض ياولد
مزقت روحى نتف نتف
مرقت من جيب القميص
تمباك وحب
عرقى واسف
طبيت قزازتى
وصلت لى طرف البلد
وسكرت جد
اذنت فى الشوك والسلم
وسرحت بالناس والغنم
ورجعت للعرقى البكر
ورقدت فى الالم الحكر
وحلمت زى شالنى ومشى
فوق زحمة نبى الله الخضر
صحانى صوت العمده قال
مسؤل كبير زائر البلد
قال لينا
وكت الزول يجى لازم
تقيفوا صفوف صفوف
وتهيجو الخلا بالكفوف
وتقولوا عاش يحيا البطل
صلحت طاقيتى الحرير
واتنحنح الحشا بالكلام
ورميتو من حلقلى الوصل
قت ليه ياعمده اختشى
مسؤل كبير فى الدنيا غير الله انعدم
ماشفنا زول رضع صغار
ماشفنا زول نجح بهم
ما شفنا زول لملم رمم
لاصحينا عاجبنا الصباح
لانمنا غطانا العشم
والحله من كل الجهات محروسه
بالخوف والوهم
ومضينا من زمن قديم
ياعمده مرسوم انتحار
الموت مباح
والحب نطاح
والصدق من جنس الزنا
العافيه مولودة سفاح
والرغبه مكسورة جناح
الحلم والوعد النبيل
الطفله والام النخيل
الرنه فى الوتر الاصيل
تلقاها فى قاموس نكاح
يايمه واح ياحله واح
ياسعاد تعالى ولمى من كل البيوت
عدة السفر الطويل
زخرفى الكفن الجميل
شخبطى الفجر النهار
اربطى الضحى والاصيل
المغرب
الفجر
النجوم
فى صرة وارميها البحر
خلينا فوق الشك نعوم
والعمدة فاض
العمده صار مليون عمد
العمده فيل
جبلا تقيل
لبوه واسد
حسنه وغضب
جمعه واحد
بقيت قزازتى
مرقت عن طرف البلد
وسكرت جد
وانا جايى راجع اجهجهو
لاقانى هو
سايق العساكر والكلاب
رامى بين عينى وعينو
كلب وتكشيره وحراب
ضاقت نعالى من الزعل
من تحتها اتململ تراب
الغيم سكب ضلو ومشى
والدنيا غيما سراب سراب
والحله زى بلدا بعيد
زود بعادوا قرب سعاد
اتجمعت كل البيوت فى راحتا
زى بت لعاب
مجنونه تصرخ فى الزوال
ممزوجه فى الدم واللعاب
عينى ضاقت نظرتها
والجوف يطقطق بالكلام
قبال يقولوا لى سلام
اتلموا حولى بلا نظام
شال وعمه
توب وعمه
فاس وطوريه وحزام
شالونى بكل احترام
ورمونى فى قعر السجن
حصلنى قبل اليوم يتم
جارنا المدرس ود خدوم
قال لى لازول قام هتف
لاكف مشت بتلاقى كف
والعمده زى همبول وقف
ياصمت اف
يادنيا تف
وانا ياسعاد للشوق نغم
للهم علف
الثلاثاء، 28 يوليو 2009
اول الغيث قطرة
الأحد، 26 يوليو 2009
ثم ماذا بعد هذا
الثلاثاء، 6 يناير 2009
الارهاب
ان نحن دافعنا عن الوردة ... والمرأة ...
والقصيدة العصماء ...
وزرقة السماء ...
عن وطن لم يبق في أرجائه ...
ماء ... ولاهواء ...
لم تبق فيه خيمة ... أو ناقة ...
أو قهوة سوداء ...
متهمون نحن بالارهاب ...
ان نحن دافعنا بكل جرأة
عن شعر بلقيس ..
وعن شفاه ميسون ...
وعن هند ... وعن دعد ...
وعن لبنى ... وعن رباب ...
عن مطر الكحل الذى
ينزل كالوحى من الأهداب !!
لن تجدوا فى حوزتى
قصيدة سرية ...
أو لغة سرية ...
أو كتبا سرية أسجنها فى داخل الأبواب
وليس عندى أبدا قصيدة واحدة ...
تسير فى الشارع .. وهى ترتدى الحجاب
متهمون نحن بالارهاب ...
اذا كتبنا عن بقايا وطن ...
مخلع .. مفكك مهترئ
أشلاؤه تناثرت أشلاء ...
عن وطن يبحث عن عنوانه ...
وأمة ليس لها أسماء !
عن وطن .. لم يبق من أشعاره العظيمة الأولى
سوى قصائد الخنساء !!
عن وطن لم يبق فى افاقه
حرية حمراء .. أو زرقاء .. أو صفراء ..
عن وطن .. يمنعنا أن نشترى الجريدة
أو نسمع الأنباء ...
عن وطن كل العصافير به
ممنوعة دوما من الغناء ...
عن وطن ...
كتابه تعودوا أن يكتبوا ...
من شدة الرعب ..
على الهواء !!
عن وطن ..
يشبه حال الشعر فى بلادنا
فهو كلام سائب ...
مرتجل ...
مستورد ...
وأعجمى الوجه واللسان ...
فما له بداية ...
ولا له نهاية
ولا له علاقة بالناس ... أو بالأرض ..
أو بمأزق الانسان !!
عن وطن ...
يمشى الى مفاوضات السلم ..
دونما كرامة ...
ودونما حذاء !!!
عن وطن ...
رجاله بالوا على أنفسهم خوفا ...
ولم يبق سوى النساء !!
الملح فى عيوننا ..
والملح .. فى شفاهنا ...
والملح .. فى كلامنا
فهل يكون القحط في نفوسنا ...
ارثا أتانا من بنى قحطان ؟؟
لم يبق فى أمتنا معاوية ...
ولا أبوسفيان ...
لم يبق من يقول (لا) ...
فى وجه من تنازلوا
عن بيتنا ... وخبزنا ... وزيتنا ...
وحولوا تاريخنا الزاهى ...
الى دكان !!...
لم يبق فى حياتنا قصيدة ...
ما فقدت عفافها ...
فى مضجع السلطان !!
لقد تعودنا على هواننا ...
ماذا من الانسان يبقى ...
حين يعتاد على الهوان؟؟
ابحث فى دفاتر التاريخ ...
عن أسامة بن منقذ ...
وعقبة بن نافع ...
عن عمر ... عن حمزة ...
عن خالد يزحف نحو الشام ...
أبحث عن معتصم بالله ...
حتى ينقذ النساء من وحشية السبى ...
ومن ألسنة النيران !!
أبحث عن رجال أخر الزمان ..
فلا أرى فى الليل الا قططا مذعورة ...
تخشى على أرواحها ...
من سلطة الفئران !!...
هل العمى القومى ... قد أصابنا؟
أم نحن نشكو من عمى الألوان ؟؟
متهمون نحن بالارهاب ...
اذا رفضنا موتنا ...
بجرافات اسرائيل ...
تنكش فى ترابنا ...
تنكش فى تاريخنا ...
تنكش فى انجيلنا ...
تنكش فى قرآننا! ...
تنكش فى تراب أنبيائنا ...
ان كان هذا ذنبنا
ما أجمل الارهاب ...
متهمون نحن بالارهاب ...
... اذا رفضنا محونا
على يد المغول .. واليهود .. والبرابرة ...
اذا رمينا حجرا ...
على زجاج مجلس الأمن الذى
استولى عليه قيصر القياصرة ...
.... متهمون نحن بالارهاب
.. اذا رفضنا أن نفاوض الذئب
.. وأن نمد كفنا ل..
أميركا ...
ضد ثقافات البشر ..
وهى بلا ثقافة ...
ضد حضارات الحضر ...
وهى بلا حضارة ..
أميركا ..
بناية عملاقة
ليس لها حيطان ...
متهمون نحن بالارهاب
اذا رفضنا زمنا
صارت به أميركا
المغرورة ... الغنية ... القوية
مترجما محلفا ...
للغة العبرية ...
... متهمون نحن بالارهاب
واذا رمينا وردة ..
للقدس ..
للخليل ..
أو لغزة ..
والناصرة ..
اذا حملنا الخبز والماء
الى طروادة المحاصرة
متهمون نحن بالارهاب
اذا رفعنا صوتنا
ضد الشعوبيين من قادتنا
وكل من غيروا سروجهم
وانتقلوا من وحدويين الى سماسرة
متهمون نحن بالارهاب
اذا اقترفنا مهنة الثقافة
اذا قرأنا كتابا في الفقه والسياسة
اذا ذكرنا ربنا تعالى
اذا تلونا ( سورة الفتح)
وأصغينا الى خطبة الجمعة
فنحن ضالعون في الارهاب
متهمون نحن بالارهاب
ان نحن دافعنا عن الارض
وعن كرامة التراب
اذا تمردنا على اغتصاب الشعب ..
واغتصابنا ...
اذا حمينا آخر النخيل فى صحرائنا ...
وآخر النجوم فى سمائنا ...
وآخر الحروف فى اسمآئنا ...
وآخر الحليب فى أثداء أمهاتنا ..
..... ان كان هذا ذنبنا
فما اروع الارهاب!!
أنا مع الإرهاب...
ان كان يستطيع أن ينقذنى
من المهاجرين من روسيا ..
ورومانيا، وهنغاريا، وبولونيا ..
وحطوا فى فلسطين على أكتافنا ...
ليسرقوا مآذن القدس ...
وباب المسجد الأقصى ...
ويسرقوا النقوش .. والقباب ...
أنا مع الارهاب ..
ان كان يستطيع أن يحرر المسيح ..
ومريم العذراء .. والمدينة المقدسة ..
من سفراء الموت والخراب ..
بالأمس
كان الشارع القومى فى بلادنا
يصهل كالحصان ...
وكانت الساحات أنهارا تفيض عنفوان ...
... وبعد أوسلو
لم يعد فى فمنا أسنان ...
فهل تحولنا الى شعب من العميان والخرسان؟؟
أنا مع الارهاب ..
اذا كان يستطيع ان يحرر الشعب
من الطغاة والطغيان
وينقذ الانسان من وحشية الانسان
أنا مع الإرهاب
ان كان يستطيع ان ينقذني
من قيصر اليهود
او من قيصر الرومان
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد ..
مقتسما ما بين أمريكا .. واسرائيل ..
بالمناصفة !!!
أنا مع الإرهاب
بكل ما املك من شعر ومن نثر ومن انياب
ما دام هذا العالم الجديد
!! بين يدي قصاب
أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد
قد صنفنا
من فئة الذئاب !!
أنا مع الإرهاب
ان كان مجلس الشيوخ في أميركا
هو الذى فى يده الحساب ...
وهو الذي يقرر الثواب والعقاب
أنا مع الإرهاب
مادام هذا العالم الجديد
يكره في أعماقه
رائحة الأعراب
أنا مع الإرهاب
مادام هذا العالم الجديد
يريد ذبح أطفالي
ويرميهم للكلاب
من أجل هذا كله
أرفع صوتي عاليا
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
م
الاثنين، 25 أغسطس 2008
الأحد، 20 يوليو 2008
ا
هل يحاكم الرئيس البشير دوليا؟ * | ||
د. العوا أصدر المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تقريرًا سيقدمه إلى الدائرة التمهيدية المختصة بالمحكمة الجنائية الدولية (وفقًا لنص المادة 58 من نظامها) بطلب القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بموجب النظام الأساسي للمحكمة الصادر في روما عام 1998. ويثير هذا الموقف من المدعي العام تساؤلات عديدة عن مدى جوازه من الناحية القانونية الدولية، وعن مدى صحته طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعن مدى تعبيره عن حقائق واقعية تشكل جرائم ضد الإنسانية تقتضي تدخلاً دوليا، وعن الآثار التي قد تترتب على تنفيذ طلب المدعي العام -إذا تم تنفيذه- بالنسبة لدول العالم بوجه عام، وبالنسبة للدول العربية بوجه خاص. وأحاول إيجاز ذلك كله في الملاحظات الآتية: ولاية المحكمة (1) المحكمة الجنائية الدولية أنشئت بموجب معاهدة دولية ملزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها، هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وقد اعتمد هذا النظام في روما في 17/7/1998 أي منذ عشر سنوات كاملة. والدول التي صدقت على هذه المعاهدة بلغ عددها حتى 1/6/2008 (106) دول، منها 30 دولة إفريقية، و13 دولة آسيوية، و16 دولة أوروبية شرقية، و22 دولة من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي، و25 دولة من أوروبا الغربية وغيرها، ويدخل تحت تعبير (وغيرها) الوارد في البيان الرسمي للدول الأعضاء في نظام روما، دولتان عربيتان هما: الأردن وجيبوتي، ولم تصدق أي دولة عربية -سوى هاتين الدولتين- على نظام المحكمة. والمقرر في قواعد القانون الدولي -بغير خلاف- أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها، وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفًا فيها. ولم يخرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن قاعدة اقتصار آثار المعاهدات على أطرافها؛ فقد نص في مادته الثانية على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة، ونص في مادته الثالثة/ 2 على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق المقر الذي يبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة مع دولة المقر (هولندا). ونص في مادته الرابعة/2 على أن للمحكمة أن تمارس وظائفها ومسئوليتها على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي في إقليم أي دولة طرف، ونص في مادته الحادية عشرة/2 على أنه «إذا أصبحت أي دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة». وقد أكدت هذا المبدأ نصوص المواد (12) و(13) و(14) والمادة (34 في فقرتها رقم أ، ب، ج، وفقرتها رقم 6/أ وفقرتها رقم 8/أ، ب) والمادة (42/4) والمادة (48/1) والمادة (51/2) والمادة (52/3) والمادة (59/1)، وغيرها من النصوص التي تشير إلى (الدولة الطرف) أو إلى (الدول الأطراف). ونصوص النظام الأساسي للمحكمة عددها (128) مادة، ليس فيها مادة واحدة تخول المحكمة اختصاصًا على مكان أو شخص لا يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في تلك المعاهدة الدولية المعروفة بـ«نظام روما 1998». ونتيجة ذلك –قانونًا- أن السودان وأراضيه وأبناءه من المسئولين الحكوميين أو السياسيين أو من غيرهم لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق عليهم نصوص نظام المحكمة الجنائية الدولية؛ لسبب بسيط هو أن السودان ليس عضوًا في هذه الاتفاقية التي لا تسري نصوصها إلا على الدول الأعضاء فيها. معلومات مغلوطة (2) تنظم المادتان (53) و(54) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وظيفة المدعي العام المعين أمامها، وهما توجبان عليه -ضمن واجبات عديدة- أن يتأكد من أن المعلومات التي أتيحت له توفر أساسًا معقولا للاعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها. ومن أن القضية مقبولة أو يمكن قبولها بموجب المادة (17)، وأن يوسع نطاق التحقيق ليشمل جميع الوقائع والأدلة المتصلة بتقدير ما إذا كانت هناك مسئولية جنائية بموجب هذا النظام الأساسي، وأن يحقق في ظروف التجريم والتبرئة على حد سواء. وقراءة تقرير المدعي العام، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تبين أنه لم يزر السودان، وطبعًا لم يزر دارفور، ولم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور، فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات بحسب نص المادة (53)، وأن يوسع نطاق التحقيق طلبًا للحقيقة عملا بنص المادة (54) من النظام الأساسي للمحكمة؟! لقد اعتمد السيد أوكامبو على معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا -وربما في الولايات المتحدة- وعلى تقارير إعلامية، وسمى ذلك وثائق، وعدَّدها فجعلها سبعة آلاف وثيقة(!) وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة، وهي -بلا شك- قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال؛ لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلا. ودارفور ليست في المريخ، وليس الوصول إليها مستحيلا، والسودان تَعَاون مع كل من اهتم بموضوعها في إتاحة فرصة الوصول إليها واللقاء بالمسئولين السودانيين وزعماء المعارضة، وبأهل دارفور في محافظاتها الثلاث، والوقوف على حقائق الواقع بنفسه. ولم يقرر أحد من الأشخاص، ولا وفد رسمي من الوفود التي زارت دارفور في خضم الأحداث (2004 - 2006) صحة أي تهمة مما ردده السيد أوكامبو في تقريره. لقد زارت وفود من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد الأطباء العرب، وعشرات المنظمات الأخرى العربية والإسلامية والدولية، دارفور في أثناء سنوات 2004 و2005 و2006، وقبلها وبعدها. وكانت، ولا تزال فيها، معسكرات دائمة للبعثة الطبية العسكرية المصرية، وللهلال الأحمر السعودي، ولمنظمة الإغاثة الإسلامية، ولبضع وعشرين منظمة إغاثية أوروبية وأمريكية وغيرها، ولم يجد أحد أي دليل على صحة شيء من التهم التي يزعم المدعي العام أنها قائمة في حق حكومة السودان، أو في حق الرئيس البشير. وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا ضافيا في 7/9/2004 بعد زيارة وفد منه استمرت خمسة أيام للسودان ودارفور، ولم يبق فيها مسئول له شأن بقضية دارفور، أو معارض له قول فيها إلا وقابله وفد الاتحاد، بمن فيهم الدكتور حسن الترابي الذي كان رهن الإقامة الجبرية يومذاك. وانتهي الوفد -الذي كان مكونًا من العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، والمستشار الشيخ فيصل مولوي، والأستاذ الدكتور علي القره داغي عضوي مجلس الأمناء، وكاتب هذه السطور أمينه العام- إلى أن الأخبار التي كان يتداولها الإعلام الغربي، وهي التي بنى عليها السيد أوكامبو تقريره عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي، كلها لا أساس لها من الصحة، وأن الوضع في دارفور يرجع إلى جملة عوامل ليس من بينها -يقينا- رغبة الحكومة أو سعيها إلى (إبادة جماعية)، أو مساعدتها على ذلك لأي جماعة ضد أي جماعة عرقية في دارفور. بل لقد زار دارفور وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، وناقش عددًا كبيرًا من قياداتها السياسية والتنفيذية ومن أبناء قبائلها، وعندما عاد إلى الخرطوم صرح للتلفزيون السوداني، وغيره من أجهزة الإعلام، بأنه لم يشهد أي دليل على التطهير العرقي في دارفور، ثم عند وصوله إلى باريس صرح في المطار بخلاف ذلك (!) ويبدو أن السيد أوكامبو استمع إلى التصريح الثاني، ولم يلفت نظره تناقضه مع التصريح الأول. وقد نشرتُ في مجلة «وجهات نظر» المصرية (عدد أكتوبر 2004)، في أعقاب عودتي من دارفور تفصيلا مطولا لحقائق الوضع هناك وأسبابه، واقتراحات السودانيين وغيرهم عن كيفية علاجه، وأثبت بشهادة قضاة، وأساتذة جامعات، وعلماء، ودعاة وممثلين لمختلف القبائل في دارفور أن الأمر فيها لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجرائم التي يزعم تقرير المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية أن لديه أدلة على ارتكاب الرئيس السوداني إياها. وأشرتُ إلى اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها الرئيس البشير طبقًا لقانون سوداني قديم (من زمن الإنجليز) برئاسة قاضي قضاة السودان السابق، العالم الجليل البروفيسور دفع اللّه الحاج يوسف، وقد ضمت أطباء وقضاة سابقين واختصاصيين نفسيين وخبراء في الشئون العسكرية والأمنية، وانتهت بعد عمل استمر نحو سنة كاملة إلى ذات النتائج التي انتهى إليها وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وتقرير هذه اللجنة منشور في أكثر من مائة صفحة، ومحاضر أعمالها المثبتة لكيفية إنجازها مهمتها تقع في عدة مئات من الصفحات، وقد قدم السودان تقرير هذه اللجنة، مع غيره من التقارير، إلى مجلس الأمن، فكانت كلها متاحة للمدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهكذا، فإن المدعي العام الذي يطلب إلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير لمحاكمته جنائيا، لم يقم بأداء واجباته التي يلزمه بها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقدم معلومات مغلوطة عارية من الصحة، وتجاهل تقارير الوفود المحايدة التي زارت مواقع الأحداث التي استنكف هو عن زيارتها! وتقرير من هذا النوع لا يصلح -قطعًا- دليلاً أمام أي محكمة تحترم نفسها لتوافق على إلقاء القبض على شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية، هذا لو كانت المحكمة مختصة بمحاكمته أصلاً !. ولعله يهم القارئ أن يعرف أن هذا المدعي العام نفسه كان يدرس أحيانًا في جامعة هارفارد الأمريكية، أستاذًا زائرًا، وكانت شهرته بين طلابه أنه يتميز بعنف ظاهر، واندفاع لا يخفيه، وشدة في معاملة طلابه غير مألوفةّ، والممارسون لمهنة القانون يعرفون كيف تنعكس مثل هذه الصفات الشخصية على صاحبها عندما يكون في موقع الادعاء!. رأي مردود (3) إن الواجب على الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أن تقضي بعدم قبول الطلب المقدم من المدعي العام؛ لتعلقه بدولة ليست عضوة في معاهدة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ولكن أصواتا من الغرب، وبعض الأصوات في السودان نفسه، تقول: إن المدعي العام قدم تقريره إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة بناء على طلب من مجلس الأمن، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تحاكم الشخص المعني بناء على نص المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة. وهذا النص يجيز للمحكمة أن تمارس اختصاصها «إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت»، والجرائم المشار إليها هي الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة. ولكن هذا الرأي مردود، وغير سديد، فهو مردود لأن اختصاص المحكمة بجميع صوره يقتصر على الدول الأعضاء في معاهدة نظامها الأساسي، ونصوص هذا النظام، كنصوص أي معاهدة دولية أو قانون أو عقد، يجب أن تفسر متكاملة متجانسة يأخذ بعضها بعَضُدِ بعض، ولا يجوز أن يفسر كل نص منها "مبتورا من سياقه، مقطوعا عن سباقه ولحاقه"، بحيث تتضارب الأحكام، وتتنافر النتائج على نحو يأباه المنطق القانوني السليم. وهو غير سديد؛ لأن اختصاص مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويجوز له بموجب المادة (42) وما بعدها من الميثاق أن يتخذ تدابير عسكرية بما فيها استخدام القوة «لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه». وليس في هذا الفصل، لا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يخول مجلس الأمن، ولا المدعي العام، إلزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام وإجراءات تقررها معاهدة ليست هذه الدولة طرفًا فيها. وعلى أساس هذا المنطق المسلّم في النظم القانونية كلها، يكون اختصاص مجلس الأمن بموجب المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مقصورًا على حالات وقوع الجرائم المشار إليها في نص تلك المادة في دولة، أو من دولة، عضو في اتفاقية النظام الأساسي للمحكمة. وطلب مجلس الأمن الذي يوجهه إلى المدعي العام في شأن غير الدول الأطراف في ذلك النظام الأساسي لا قيمة له قانونا، ولو كان هذا المدعي العام يمارس عمله بالاستقلال المنصوص عليه في المادة (42/1) من النظام الأساسي لرد هذا الطلب إلى مجلس الأمن؛ لعدم تعلقه بدولة من الدول الأطراف في نظام المحكمة. وهكذا يتبين أن المادة (13/ب) من نظام المحكمة لا توفر سندا قانونيا مقبولا لما قام به المدعي العام، كما لا يمكن أن توفر هذه المادة أي سند لقرار تصدره الدائرة التمهيدية بالمحكمة للقبض على الرئيس عمر البشير. حصانة البشير (4) يبقي أن نشير -في هذه الملاحظات العاجلة- إلى أن عمر حسن البشير رئيس دولة وهو -وفق العرف المستقر في القانون الدولي- يتمتع بحصانة قضائية وسياسية لا يمكن النيل منها إلا وفق دستور بلاده وقانونها، وفي النظام الأساسي للمحكمة نص المادة (27) الذي يقرر أن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبًا أو موظفًا حكوميًّا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي. والنص ناطق صراحة بأنه يعمل في ظل (النظام الأساسي للمحكمة)، أي يعمل في نطاق واجبات الدول الأطراف فيه، وينطبق على المسئولين في تلك الدول، ومن ثم فلا أثر لنص المادة (27) من النظام الأساسي على حصانة الرئيس البشير المقررة بالدستور السوداني. ويؤكد ذلك أن بعض الدول التي وافقت على الاتفاقية أبدت مجالسها الدستورية أو التشريعية تحفظات على هذا النص، مقررة أن القبول به يستلزم تعديلا لدستورها أو قوانينها المقررة لحصانة رئيس الدولة أو الوزراء أو أعضاء البرلمان. وقع ذلك في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج (الرأي الدستوري الفرنسي صادر من المجلس الدستوري في 22/1/1999، والرأي الدستوري البلجيكي صادر من مجلس الدولة في 21/4/1999، والرأي الدستوري في لوكسمبورج صادر من مجلس الدولة بتاريخ 4/5/1999). فلو افترضنا جدلا أن السودان -أو غيره من الدول العربية- انضم إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك سيقتضي تعديلات دستورية ضرورية قبل أن يصبح النظام نافذا في حق تلك الدول؛ حيث إن جميع الدول العربية تقرر حصانات لفئات مختلفة من ذوي النفوذ والسلطان فيها لا يمكن الإبقاء عليها مع الانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة. ومن العجيب أن أدبيات الموضوع المتاحة لا تشير إلى أي تعديل دستوري في الأردن أو جيبوتي (الدولتين العربيتين الوحيدتين المنضمتين إلى النظام الأساسي للمحكمة) مع وجود نصوص دستورية تقرر حصانة رئيس الدولة في كل منهما!. ويؤكد ما ذكرناه آنفا من اقتصار العمل بنظام المحكمة على الدول الأطراف فيها ما أورده نص المادة (11/2) من أنه لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها، بالنسبة للدول التي تنضم إلى النظام بعد نفاذه، إلا بشأن الجرائم التي ترتكب بعد بدء سريانه في حقها. سابقة خطيرة (5) إن التقرير الذي قدمه المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لو حظي بقبول هذه الدائرة وصدر أمر قضائي بالقبض على الرئيس البشير فسيكون سابقة خطيرة قد يصل مداها -ذات يوم- إلى الرئيس جورج بوش نفسه بسبب المجازر التي ترتكبها قواته في العراق وأفغانستان والصومال، وبسبب الدعم غير المحدود المقدم من إدارته لإسرائيل، لتستطيع تنفيذ مجازرها اليومية في فلسطين ولبنان وغيرهما. وقد يصل مداها إلى مئات المسئولين الصهاينة الذين تثبت وثائق وأدلة لا يرقى إليها أي شك ارتكابهم مئات الجرائم ضد الإنسانية من دير ياسين إلى بحر البقر إلى صابرا وشاتيلا إلى قانا إلى الخليل وجنين وغزة وعشرات الأماكن الأخرى. أما الرؤساء والملوك والأمراء العرب فإنهم إذا لم يقفوا وقفة رجل واحد لمنع صدور هذا القرار المطلوب من الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية، فإنني أخشى أن يأتي اليوم الذي يقول فيه قائلهم: «أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض». خبير قانوني دولي ومفكر إسلامي. * مقال نُشر بصحيفة المصري اليوم، السبت 19 يوليو 2008. |
الحقيقة
خوفنا علي السودان والمحكمة وليس علي البشير د. هيثم مناعہ 21/07/2008 ![]() |
أخيرا، أخرج أكامبو المحكمة الجنائية الدولية من حالة السبات التي وضعها بها، بقنبلة إعلامية كبيرة، جاءت بعد عدم الاكتراث بالقنبلة الأولي التي تحدثت عن فشل محاولة اختطاف الوزير السوداني أحمد هارون لإحضاره للمحاكمة في لاهاي. ويمكن القول أن المدعي العام أكامبو قد نجح هذه المرة في استنفار المعنيين وغير المعنيين بالأمر. فالاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والحكومة السودانية وأحزاب ومنظمات وشخصيات عربية وإفريقية استنفرت من أجل وقف هذا الإجراء بحق الرئيس السوداني، الإعلام الغربي الشعبي يتغني بانتصار العدالة الدولية، الفصائل المسلحة الدارفورية تسجل انتصارا معنويا؟ عدد من بائعي القناعات من نمط برنار كوشنر، أحد القلائل في فرنسا الذين أيدوا العدوان علي العراق، يمارس رياضة الدروس الأخلاقية مطالبا الرئيس السوداني بالتعاون. الصحف الأكثر جدية في أوروبا تتحدث عن مخاطر علي الأمن والسلام والوحدة الترابية السودانية، ويمكن القول ان الطرف الأكثر ضعفا في رد فعله هو أوساط حقوق الإنسان، حيث نجد غيابا لعدد كبير من المنظمات أو حضورا متسرعا وأوتوماتيكيا في تأييد قرار أكامبو يسبق قرار القضاة عند البعض، وحذر من اتخاذ موقف من بعضها الآخر قبل استجلاء مسار القضية. لقد شكلت قضية دارفور الاختبار الأهم لاستقلالية وجدية المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان. فمن جهة، تعزز منذ قرار مجلس الأمن الدولي 1593 لعام 2005 (القرار الذي ينص علي إحالة الوضع القائم في دارفور منذ الأول من تموز (يوليو) 2002 إلي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية)، ما يمكن تسميته صناعة دارفور (علي نمط صناعة الهولوكوست)، أي مجموعة مؤسسات تعطي مخصصات عالية ودون حساب لكل من يشارك بحملة عامة غير محدودة الأرقام غير مرسومة المواصفات ضد الجرائم الجسيمة المرتكبة في دارفور. من جهة ثانية، وجدت المنظمات الأكثر جدية نفسها خارج قوس في الإعلام والأحداث كون أرقامها أقل وتوثيقها غير مسرحي وعدوها في جانبي الصراع (الحكومة وفصائل المعارضة المسلحة). الحد الأدني المقبول به للحديث عن مجازر دارفور هو الرقم الذي يعطيه مدير قناة العربية (300 ألف قتيل) ولو أن معلومات المدعي العام قد خفضت السقف إلي أقل من النصف. إعلان أكامبو أعاد النشاط لقضية دارفور بعد أن طعنته مهزلة آرش دو زويه في الظهر. الناشطة التونسية سهير بلحسن تسجل أنه لأول مرة يجري وضع عناصر إثبات لوقوع الإبادة الجماعية في دارفور ومنصف المرزوقي يسجل أيضا لأول مرة في تاريخ البشرية تطالب هيئة قضائية دولية بمحاكمة حاكم والقاعدة كانت لحدّ الآن انتظار سقوطه من ظهر الأسد للمطالبة بالحسابات . نحن أمام مشكلة في غاية الجدية، وهي وجود مدعٍ عام فشل في مهمته بكل معاني كلمة الفشل. فهو لم يتمكن من وضع استراتيجية عمل معقولة ومقبولة ضمن صلاحيات ميثاق روما واختصاص المحكمة العام (الجرائم الجسيمة التي وقعت منذ نشأتها) والخاص (وقوع هذه الجرائم في إقليم أو من قبل مواطني دولة طرف أو ملف محال من مجلس الأمن). وغابت المبادرات الخلاقة والأصيلة عن منصب هو بأمس الحاجة لذلك، خاصة في غياب عمالقة المساحة والسكان والقوة عن المحكمة (روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية) بحيث شهدنا في ظل ولايته بطئا في الإجراءات وتخبطا في المواقف، وفشلا في أسلوب التعامل وتهربا يرجح الطابع السياسي علي القضائي في قضايا دولية مركزية. خاصة وأن الضحايا الأكثر عددا والأوضاع الأكثر خطورة كانت في فضاء ما عرف بالحرب علي الإرهاب، وفي هذا الفضاء رفض المدعي العام الدخول بكل المعاني. السيد أكامبو الذي يرفض إعطاء أي رأي أو كلمة أو تصريح في استمرار الدولة العبرية ببناء المستوطنات في الضفة الغربية، رغم أن هذه جريمة ضد الإنسانية في ميثاق روما وأن الضفة الغربية ذات وضع قانوني ارتبط بالأردن منذ 1948 إلي 1967 وأن ضحايا الاستيطان منهم كثيرون من هو مواطن في دولة صدقت علي ميثاق روما (المملكة الأردنية). ويقلل من أهمية طلبات التعرض لجرائم جسيمة في ظل احتلال العراق والأراضي الفلسطينية. وقد رفض قبول الطلب المقدم من الاخصائي في القانون الجنائي هوغو رويس دياز بالبوينا (باراغواي) باسم منظمات عربية و الاتحاد اليهودي من أجل السلام للنظر في العدوان الإسرائيلي علي لبنان، كذلك أرسل رسالة من عشر صفحات في 9/2/2006، لا يتحدث فيها فقط عن غياب الصلاحية في تناول المحكمة الجنائية الدولية للجرائم المرتكبة في العراق، بل وهذه هي الطامة الكبري، اعتباره أن العناصر الخاصة بما يحدث في العراق لا ترتقي لمستوي الجرائم الجسيمة؟ لقد كان المدعي العام بكل ما يتعلق بدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل يتهرب من أية مسؤولية، حتي أخلاقية، في حين أنه كان قليل الدقة في ملف دارفور، وقليل الحكمة في محاولة الخروج من أزمته (خاصة باللجوء إلي وسائل ممنوعة في القانون الدولي بذريعة الدفاع عن القانون الدولي كاللجوء إلي الخطف أو الحديث عن إبادة جماعية مخططة في مزاودة واضحة علي منظمات حقوق الإنسان الأكثر جدية). يمكن لأي متتبع لملف دارفور ملاحظة هزالة المعطيات والافتراضات خاصة في كل ما يتعلق بالإبادة الجماعية في قرار الإدانة. فهذا القسم يقوم علي افتراض أن البشير قد قرر قتل جماعات إثنية ثلاثة (الفور والمساليت والزغاوي) بعد فشل المباحثات والعمليات العسكرية ضد المتمردين (الفقرة 12 من لائحة الاتهام) هنا، يقول المدعي العام، أخذ الرئيس السوداني قرارا علنيا بإنهاء التمرد في إسبوعين وعدم الرجوع بأي سجين أو جريح. الاستشهادات التي يبنيها علي قضايا الاغتصاب محدودة العدد (28 حالة) كذلك ليس بالإمكان القول أن النزوح، إذا اعتبرنا السلطات السودانية مسؤولة مسؤولية كاملة عنه، كان بغرض قتل جزء أو كل أبناء الإثنيات المذكورة خاصة وأن اللاجئين أسري بيد أكثر من طرف. من هنا استغربت اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة أطباء بلا حدود تهمة الإبادة الجماعية وكذلك فعل عدد كبير من الخبراء المختصين في القانون الجنائي الدولي. المشكلة التي أثارها أكامبو لا تطرح علينا وحسب مشكلة ضعف المعطيات التي اعتمد عليها، وإنما قصر النظر في التعامل مع هذا الملف حيث تراءي للسيد أكامبو أن بالإمكان إعطاء جرعة أكسجين للمحكمة الجنائية الدولية في الذكري العاشرة لإعلان روما وبعض المقويات لمنصبه الذي يتعرض اليوم لانتقادات كبيرة من قبل مناضلي حقوق الإنسان المتابعين للمحكمة، عبر ضرب البطن الرخو في الملفات الجنائية المطروحة. خاصة وقد رفعت قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية إلي أجل غير مسمي قبل شهر. لكن الثمن يمكن أن يكون بخلق شرخ عميق مع القارة الإفريقية التي صادق عدد هام من دولها علي القانون الأساسي للمحكمة، وعداء مستحكم مع العالمين العربي والإسلامي اللذين لا يفهمان سر المقارنة الفجائية بين البشير وهتلر في مداخلة السيد المدعي العام أمام مجلس الأمن. من هنا لم نتوقف عند الطريقة التي طرحها البعض: أليس وجود محكمة سيئة أفضل من غياب المحاكم والحكم علي دكتاتور أفضل من تبرئة المجرم. لأن هذا السؤال جاء في زمان غير زمانه وفي مكان غير مكانه وفي لحظة الخطر فيها يمس قضية استمرار المحكمة التي يحاربها ثلاثة أعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة والصين وروسيا)، هذا المجلس نفسه الذي قرر إحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية. لقد وقعت الإدارة الأمريكية قرابة مئة اتفاق ثنائي لشل عمل المحكمة بكل ما يتعلق بالمواطنين الأمريكيين، ومن المضحك أن منظمة بجدية هيومان رايتس وتش تنشر علي موقعها (أساطير وحقائق حول المحكمة) تطمئن المواطن الأمريكي بوداعة المحكمة وعدم قدرتها علي محاسبة إسرائيل أو الولايات المتحدة. من جهة ثانية، وكون العامين الماضيين قد شهدا تراجعا في القتل والاعتداءات والنزاع المسلح، وأن المباحثات بين فصائل دارفور والحكومة تمر بأزمة منذ هجوم أحدها علي أم درمان، هل يمكن اعتبار قرار المدعي العام يصب في خدمة الأمن والسلام وإعادة اللاجئين والقدرة علي القيام بتحقيقات ميدانية مستقلة جديرة بالتسمية في إقليم دارفور أم علي حساب كل هذا؟ مع احترامنا لمشاعر كل من يناصر البشير، خوفنا ليس علي الرئيس السوداني، فللملوك والرؤساء من يحميهم. خوفنا علي السودان أولا، وعلي المحكمة الجنائية الدولية ثانيا. ہ كاتب عربي يقيم في باريس |